حكم العثمانيين في مصر..مصر تحت الحكم العثمانى وتفاصيله كاملا

حكم العثمانيين في مصر..مصر تحت الحكم العثمانى وتفاصيله كاملا

حكم العثمانيين لمصر ,ونظام الحكم العثماني في مصر ,ومصر تحت الحكم العثماني ,وانجازات العثمانيين في مصر ,والمماليك وأهل البلاد ,وأشهر الولاة وأهم الحوادث ,ومساوئ الحكم العثماني في مصر
عودة النفوذ إلى المماليك البيكوات ,و( علي بك الكبير )

حكم العثمانيين لمصر


باستيلاء السلطان سليم على مصر في أصبحت جزءًا من أماك الدولة العثمانية، ودخلت في طور طويل دام نحو ثلاثة قرون ، وقد كانت مصرفي معظم ذلك العصر مشهدًا للفتن والمشاحنات؛ إما بين سلائل المماليك أنفسهم، وإما بنيهم وبين الولاة العثمانيين، وإما بين هؤلاء وجنود الحامية العثمانية. وكل هذه الحوادث متشابهة، ولم يكن لها أثر دائم في تاريخ مصر؛ لذلك نعدِل عن تتبُّع أخبار فتن ذلك العصر، ونكتفي بالكلام على حالة البلاد فيه بوجه عام..

حكم العثمانيين لمصر يمثل أسوء فترات تاريخ الدولة المصرية ففيها ساءت أحوال البلاد السياسية ،والاقتصادية ،وأطفئت كل مشاعل الدولة المصرية لإضاءة أنوار الأستانة ، قل عدد سكان مصر من تسعة مليون مواطن إلى مليونين ونصف فقط خلال قرنين من حكم العثمانيين.

نظام الحكم العثماني في مصر


بعد أن تمَّ للسلطان سليم فتح مصر وضع لإدارتها نظامًا يكفُل بقاء خضوعها وعدم استقلال أحد فيها بأمرها، فأودع مقاليدَ حكمها ثلاثَ سلطات، له مِن تنافُس رجالها أكبر كفيل ببغيته:الوالي: وأهم أعماله الأوامر التي ترد عليه من السلطان إلى عُمَّال ( السلطة الأولى) الحكومة ومراقبة تنفيذها.

جيش الحامية: وقد كوَّنه السلطان سليم من ست فِرَق ونصَّب عليهم قائدًا يقيم بالقلعة، وجعل على كل فرقة ستة من الضباط، وشكَّل من هؤلاء الضباط مجلسًا ديوانًا يساعد الوالي في إدارة شئون البلاد، وجعل لهذا الديوان الحقَّ في رفض مشروعات الوالي إذا لم يَرَ فيها مصلحة.

المماليك: نصَّب كل واحد منهم على سنجق ( مديرية )من الأربع والعشرين مديرية التي تتكوَّن منها البلاد. وكان هؤلاء الرؤساء من المماليك يُعرَفون .ولما انقضى حكم السلطان سليم في(سنة ٩٢٦ ه/ ١٥٢٠ م) وخلفه السلطان سليمان يجتمع أولهما عند ,القانوني أنشأ مجلسَين آخرَين يُعرفان بالديوان التحدث في الشئون الخطيرة، ويجتمع الثاني كل يوم، وأعضاء الأول من رجال الجيش والعلماء معًا، وليس بالثاني أحد من العلماء ونحوهم، وأضاف سليمان أيضًا فرقة سابعة إلى الجيش ضم إليها عتقي المماليك.

ذلك هو النظام الذي وضعه العثمانيون لإدارة مصر، ولا غاية لهم منه سوى المحافظة على بقاء البلاد خاضعة للدولة، سواء أكان ذلك في صالحها أم لم يكن. وقد بقيت هذه السياسة ناجحة نحو قرنين من الزمان، إلى أن أخذت الدولة في أسباب التقهقر، وزحفت النمسا ولروسيا على حدودها الشمالية، فضعف نفوذها في مصر، وانتقلت السلطة الحقيقية إلى أيدي المماليك.

مصر تحت الحكم العثمانى


وقد أدخل الترك كثيرًا من الألقاب في مصر، لا يزال كثير منها مستعملًا إلى الآن، منها: لقب ( باشا)وكان يُطلَق على قائد الجيش أو ( أغا) الذي كان يُطلَق على الولاة المرسَلين من القسطنطينية، ولقب وهو وكيل الباشا، وكان يُطلَق أيضًا على موظف خاص في « كخية » أو « كتخدا » الفرقة الواحدة، ولقب فكان لكلٍّ منهما معنًى خاصٌّفي مبدأ الأمر فُقِدَ بالتدريج « الأفندي » و « البك » كل فرقة بالجيش، أما لقب حتى صارا يستعملان في معنييهما الحاليين.

الضرائب


فرضوا عليها خَراجًا سنويٍّا يُرسل للسلطان، يُجمع من ضرائب الأملاك وخاصة الأراضي، وكانت هذه الضرائب تسمى أي الأموال الأميرية وكان لكل جهة ملتزِم يتعهد بتوريد ما يخصها من ( الميري)خراج، ومن أجل ذلك تُعفى أرضه من الضريبة، ويُكلَّف الفلاحون زرعَها له بالمجان،علاوةً على ضريبة أخرى يجبيها لنفسه منهم، وكانت حقوق هؤلاء الملتزمين ومناصب هم وراثية.

وكان جانب عظيم من الأرض موقوفًا على المساجد والمدارس والأربطة وغيرها من الأمور الخيرية، وهو مُعفًى أيضًا من الضريبة، ويُزرع بعضه إن لم يكن كله بالتسخير. لتقرير الضرائب ومراقبة « الأفندية » وأنشأ السلطان سليم بالقاهرة قلمًا يُعرف بقلم جمعها وتسلُّمها من الملتزمين، وجعل فيه دفاتر لحصر حساب الحكومة وأخرى لتدوين انتقال الملكية.

المباني


لم تَعُدْ مصر بعد أن فتحها العثمانيون دولة ذات أملاك عظيمة كما كانت من قبل، بل صارت ولاية لا ثروة لها إلَّا من داخلها، وهذه الثروة ذاتها أخذت في الاضمحلال بتسرُّب الإهمال في مرافق الزراعة والصناعة، ثم إن اهتداء البرتقال إلى طريقٍ للهند حول جنوب أفريقيا حوَّل التجارة المارة بين أوروبا والهند من طريق مصر إلى المحيط الأطلنطي في إبقاء أوقاف المماليك أو « خير بك »  رُوي أن السلطان سليم لمَّا همَّ بمغادرة الديار المصرية شاوره حلها وكانت نحو عشرة قراريط من أرض مصر، جميعها مُعفًى من الضرائب فأمر السلطان سليم بإبقائها، فاعترض عليه وزيره، فضرب عنقه.

على أنه لم ينشأ عن هذه الحالة إهمال المباني جملةً؛ فالقاهرة مملوءة بالجوامع التركية، وبها من السُّبُل والأربطة  التكايا والكائل والربوع التي شُيِّدت في هذا العصر شيء كبير، وإنما نشأ عنها توخي الاقتصاد في إقامة المباني وزخرفتها، فلم تعد الجوامع تُبنى بتلك السعة العظيمة التي نشاهدها في أبنية القرون السالفة، ولم يُصرف على زخرفتها من المال شيء يُذكر بجانب ما كان يُنفق على مثلها في تلك الأزمان. ومن نتائج الاقتصاد في مباني هذا العصر أيضًا أنْ صارت السُّبُل والمكاتب تُبنى لها أبنية قائمة بذاتها بعد أن كانت من ملحقات الجوامع.

واستحدث العثمانيون في بناء الجوامع بمصر الشكل التركي، وهو متخَذ من شكل القديمة. وأهم شيء في أوضاعه اتخاذ القباب بدلًا من السُّقُف « بوزنطية » كنائس المستوية، فصارت القبة في كل جامع هي المركز الذي يدور عليه البناء بعد أن كانت إشارة إلى الأضرحة والتُّرَب في الزمن السابق، ومن مميزات هذه المباني أيضًا اتخاذ المُحلَّى بالأشكال الإفرنجية دون العربية، وبناء المنار الأسطوانية الشكل أو ( القاشاني ) المنشورين الكثيرة الأضلاع جدٍّا حتى تقرب من الأسطوانية، وتنتهي غالبًا بمخروط أو هرم كثير الأضلاع يُتَّخذ من الخشب.

انجازات العثمانيين في مصر


فأول جامع بُني في مصر على هذه الأشكال البوزنطية هو جامع سليمان باشا الشهير الآن بسارية الجبل الذي شُيد داخل القلعة، ويليه جامع سنان باشا ببولاق المشيد , ثم جامع الملكة صفية . القاشاني قطع من الخزف المطلي بالميناء، عليها أشكال هندسية أو نباتية ملونة, ولم يكن الولاة وحدهم هم المشيدين لهذه الآثار، بل إن معظمها كان من عمل أمراء من « عبد الرحمن كَتُخْدَا » المماليك أنفسهم، وشيخُ المشيدين والمرممين في ذلك العصر هو كبار المماليك الذين استحوذوا على جانب عظيم من السلطة في أواسط القرن الثامن عشر بعد الميلاد، فإن بالقاهرة من آثاره ١٨ جامعًا ما بين مُنشأ ومُجدَّد، وذلك عدا الكثير من الزوايا والأضرحة الصغيرة التي رممها، وعدا السبل الكثيرة التي أنشأها.

وآخر ما أقيم بمصر من الآثار التركية الجميلة المكتب والسبيل اللذان بناهما السلطان مصطفى الثالث تجاه مسجد السيدة زينب عند مدخل شارع الكومي الموصل للمدرسة السنية، والمدرسة والسبيل والمكتب التي بناها السلطان محمود الأول في شارع درب الجماميز في مدخل حارة الحبانية أمام قنطرة سنقر. والبناءان في قمة ما وصل إليه فن العمارة التركية البحتة من الإتقان.

المماليك وأهل البلاد


وقد غالى المماليك في أواخر العصر العثماني في ابتزاز الأموال من الآهلين، وانغمسوا في الترف في مسكنهم وملبسهم ومعيشتهم، على غير عاداتهم الأولى المبنية على الخشونة  والسذاجة في كلشيء، وصارت حُلَّة البيك منهم لا يقل ثمنها عما يعادل ٦٠٠ جنيه الآن العربية الأصيلة « نجد »  مع عظم قيمة النقود في تلك الأيام  ولا يمتطون إلا خيول التي يبلغ ثمن أحدها نحو ٣٠٠ جنيه.

ولم يكن ذلك قاصرًا على البيكوات أنفسهم، بل إن مماليكهم الذين لم يرتقوا بعدُ إلى مراتب الرياسة كانت ركائبهم مزيَّنة بأفخر الحرائر، ومُرَقَّشة من كل جانب بالذهب والفضة، على حين أن المصريين الأصليين لم يُسمح لهم إلا بركوب البغال والحمير. هم السادة؛ إذ استولى المماليك « المماليك » وصار أهل البلاد هم العبيد الحقيقيين، و على جميع الأملاك إلا ما كان منها موقوفًا على الأعمال الخيرية في وصاية العلماء.

وتشعثت حال الفلَّاح حتى صار رثٍّا في ملبسه ومسكنه ومأكله؛ لا يكاد يُفيق من دفع ضريبة شرعية أو غير شرعية حتى يُطالَب بدفع أخرى، وإذا امتنع عن الدفع  فقرًا أو ادِّعاء ضُرب وعُذِّب حتى يدفع، وربما قُتل من أجل ذلك.

أشهر الولاة وأهم الحوادث


ولَّاه السلطان سليم مكافأةً له ؛« خير بك » أول من ولَّى العثمانيون على مصر من الولاة على مساعدته في فتح مصر والشام، وبقي في منصب الولاية أكثر من خمس سنوات كان فيها مكروهًا من جميع الرعايا المسلمين؛ فقرب منه اليهود والنصارى وأخذ يناصرهم، فلم يغنِ ذلك عنه شيئًا، ولمَّا ازداد كَربه من الحياة أفرج عن كثير من مسجونين القاهرة، ووزَّع كثيرًا من المال والخيرات على المساكين وخدمة المعاهد الدينية، وقد أبدى أسفه الشديد وهو في سياق الموت على ما فرط منه، ودُفن بمسجده الذي بناه بالتبانة بالقرب من باب الوزير بجهة الخير بكية المسماة بهذا الاسم نسبة إليه.

زوج أخت السلطان سليمان القانوني، وهو أول من لُقب « مصطفى باشا » وخلفه بلقب باشا من ولاة مصر، وكان لا يعرف العربية، ولا يُظهر شيئًا من الحفاوة للوافدين عليه والمهنئين له من أهل البلاد. ولم يمضِ عهد طويل بعد الفتح حتى ظهر فضل احتياط السلطان سليم لتقييد همَّ بعمل ما كان يُخشى منه؛ إذ أراد « أحمد باشا » سلطة الوالي، فإن الواليَ الثالث الاستقلال بملْك مصر؛ فأمر بضرب السكة باسمه، والدعاء له في الخطبة، ولكنه لم يلبس أن قُبض عليه وأرُسل رأسه إلى القسطنطينية بعد أن عُلِّق على باب زَوِيلة.

على أن تاريخ مصرفي القرنين الأولين من الفتح العثماني ليس به شيء من الأخبار الممتعة، ولا يشتمل غالبًا على غير سلسلة من الولاة لا يكاد الواحد منهم يعيَّن حتى يُعزَل، منهم نفر قاموا بتشييد بعض المساجد والمدارس، ومنهم من لم يشتغل بشيء سوى التزوُّد من المال قبل أن تنق ضيَمدة ولايته. ومع ذلك كان ولاة القرن الأول وأكثر الثاني في العدل وضبط الأمور خيرًا ممن أتى بعدهم.

نُصِّب على مصر « سليمان باشا » ومن أعظم الولاة العاملين في ذلك العصر ، فاهتمَّ بالنظر في أحوال البلاد وإصلاح ما فسد منها، فعَيَّن مأمورًا لمسح الأراضي، ورتب الضرائب على أحسن نظام، واستحدث دفاتر جديدة لأعمال الحكومة، وشيَّد كثيرًا من المباني النافعة. وفي مدة ولايته كثر تعدِّي سفن البرتقال على بلاد البحر الأحمر وسواحل الهند حتى قُطعت المواصلات التجارية بين مصر
بالسلطان سليمان القانوني، فأصدر « كجرات » حاكم « درشاه » وتلك الجهات؛

فاستغاث السلطان أمرًا إلى سليمان باشا بإنشاء أسطول بالديار المصرية والخروج به إلى البحر الأحمر لكسر شوكة البرتقال؛ فجهز سليمان باشا الأسطول وشحنه بالجيوش وأقلع ثم توجه إلى بلاد الهند، ،« عدن » به من السويس سنة ( ٩٤٤ ه/ ١٥٣٨ م)، فاستولى على فالتحم مع البرتقال في المياه الهندية في موقعة عظيمة كان النصر فيها للبرتقال بالرغم مما بذله سليمان باشا من الجهد العظيم.

وكانت ولاية مصر قد أسُندت أثناء اشتغال سليمان باشا بأمر حملة الهند إلى سنة ( ٩٤١ ه/ ١٥٣٥ م)، فأتمَّ الإصلاحات التي بدأها سليمان باشا، ثم ( خُسْرُو باشا )زاد في مقدار الجزية التي تُرسل للدولة، فاستُدعيَ إلى الأستانة مخافة أن يكون قد أحدث ضرائب جديدة تضر بالبلاد، ولما عاد سليمان باشا إلى مصر تسلم مقاليد الأمور ثانية، وبقيَ واليًا عليها إلى ان استُدعيَ إلى الأستانة وأسُند إليه مسند الصدارة العظمى بها.

سنة ( ٩٧٥ ه/ ١٥٦٧ م)، فأخذ « سنان باشا » ثم تتالت الولاة على مصر حتى وليَها يتصرف في شئون البلاد بحكمة وتدبُّر، وبعد تسعة أشهر وردت عليه الأوامر السلطانية 5 فجهز جيشًا، وخرج به من « الزيديين » بأن يستعد لفتح بلاد اليمن واستخلاصها من 6 ولما عاد من ،« إسكندر باشا » مصر سنة ( ٩٧٦ ه/ ١٥٦٨ م) بعد أن أناب عنه في الولاية فتح اليمن سنة ( ٩٧٩ ه/ ١٥٧١ م) تسلَّم ولاية مصر ثانية وأخذ يشيِّد المباني؛

فأنشأ في بولاق سنة ( ٩٧٩ ه/ ١٥٧١ م) رباطًا  تكية  ومسجدًا كبيرًا لا يزال إلى الآن من أعظم الآثار العثمانية بمصر، وهو ثاني مسجد بُني بها على الأشكال البوزنطية، وبقيَ سنان باشا بمصر سنتين كان أثناءهما موضع محبة الآهلين، لكثرة إصلاحاته وعظم مبرَّاته. قوم من شيعة زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي كرَّم لله وجهه، وهم جملة فرق جمهرتهم الآن باليمن ولهم فيها إمام لا يزال خارجًا على الخلفاء من العرب أو الترك. اسمه إسكندر باشا الفقيه الجركسي، وهو مسلم طبعًا.

( مسيح باشا ) ومن أفضل الولاة الذين وُلُّوا مصر بعده ، وكان من أكثر الحكام عفةً واستقامة،ً وأشدهم حرصًا على نشر الأمن وإقامة العدل. إلا أنه تشدَّد في معاقبة المفسدين؛ فقتل منهم نحو عشرة آلاف، وشيَّد مدرسة وتربة له خارج القرافة بشارع نور الدين بعرب اليسار، ووقف عليهما أوقافًا باسم الشيخ نور الدين القرافي.

مساوئ الحكم العثماني في مصر


وما زال روح الفتنة ينتشر في الجنود عامًا بعد عام، ويشتد تطاولهم على الولاة، سنة ( ١٠٣٢ ه/ ١٦٢٢ م)، وكان قوي البأس ساهرًا على « قره مصطفى باشا » حتى وُلِّيَ توطيد السكينة، فأخذ يتجول بنفسه في الأسواق، وينظر في الشكاوى والأسعار، ويحكم في الجنايات بنفسه؛ فهابه الجند. وكان لأعماله وقْع حسن في القلوب، وعظُم في أعين الناس. ولما جلس السلطان مراد الرابع على عرش آل عثمان سنة ( ١٠٣٢ ه/ ١٦٢٣ م).

فطلبت منه الأجناد ؛« علي باشا الجِشْنَجي » عزل هذا الوالي من مصر ونصَّب مكانه الأعطية المعتاد توزيعها عند تولية الوالي الجديد، فلمَّا لم يُجب طلِبَتَهم لم يعترفوا بعزل قره مصطفى باشا، واضطَروا علي باشا إلى العودة من حيث أتى، وعندما ركب البحر أطلقوا على سفينته بعض القذائف من قلعة منار الإسكندرية، 7 فلم ينجُ إلا بصعوبة.

ثم أرسل الجنود مندوبًا منهم إلى الأستانة، فنال لهم أمرًا سلطانيٍّا ببقاء قره مصطفى باشا في الولاية؛ فعاد الباشا إلى مصر سنة ( ١٠٣٥ ه/ ١٦٢٥ م)، وفي عهده ظهر بالبلاد وباء شديد، فصار يغتصب أموال المتوفَّيْنَ لنفسه كأنه الوارث للناس؛ فرُفعت في حقه 7 المُسمَّى الآن حصن قايتباي.


عودة النفوذ إلى المماليك البيكوات


أدَّت كثرة تنقُّل ولاة العثمانيين إلى عدم تأييد نفوذهم في مصر، وإلى استرجاع المماليك  الراسخة قدمهم بالبلاد لكثير من قوتهم الأولى، وساعد على نمو هذه القوة طول أمد النزاع بين الولاة والجند، حتى اشتغل الطائفتان بمشاحناتهم عن كل ما سواها. ومما ساعد المماليك على القبض على السلطة تمهيدهم الطريق لاتحادهم، باختيارهم وكان المماليك قد .« شيخ البلد » زعيمًا من بينهم وهو حاكم القاهرة، المُسمَّى إذ ذاك تعوَّدوا من قديم الزمان جلب مماليك أحداثٍ وتدريبَهم ليكونوا لهم حاشية وأنصارًا.

فسمحت لهم الدولة بالسير على هذا النظام، فأصبح لزعمائهم من ذلك قوة لم يعُد للولاة قِبَلٌ بدفعها؛ وذلك أن المماليك الأحداث الذين يُشرَوْن بالمال كانوا يُحرَّرون عادةً بعد بضعة أعوام، فيُبقون  الحرمة لأسيادهم، حتى إذا ولجوا أبواب الرقي وصاروا أنفسُهم بيكوات، لا يألون جهدًا في تلبية دعوة موالين الأولين متى استمدوا منهم المعونة؛ فكان يكون لشيخ البلد دائمًا عصبية من مواليه وعتقاه البيكوات يعظم بها شأنه، وصار للمماليك قوة لم يكتفوا باستخدامها في عزل من أرادوا عزله من الولاة، بل أخذوا يطمحون إلى التخلص من السيادة العثمانية جملة، وبخاصةٍ عندما دخلت الدولة في طور التقهقر وشُغلت بحروبها مع النمسا وروسيا كما ذكرنا آنفًا.

وتنبَّه بعض الولاة إلى ما يرمي إليه المماليك؛ فعملوا على دس الدسائس بينهم، الفِقارية » و ،« القاسمية » وتفريق كلمتهم. وكان المماليك منقسمين إلى أحزاب أعظمها « حسين باشا كتخدا » ولم تَسْلم الطائفتان من عداوةٍ بينهما، فلما عُهد بولاية مصر إلى  نسبة إلى زعيمين لهما، هما: قاسم وذو الفقار.

سعى في تفريقهما، وتفاقمت العداوة بينهما حتى وصلت سنة ( ١١١٩ ه/ ١٧٠٧ م) إلى حدٍّ أثار بين الفريقين حربًا استعرت نيرانها ثمانين يومًا، وقيل إن المتخاصمين كانوا أثناء هذه المدة يخرجون من القاهرة نهارًا للمحاربة، ثم يعودون إليها بالليل فيبيتون فيها كغيرهم من السكان.

زعيم القاسمية، « قاسم بك إيواظ » وأسفرت هذه الفتنة الطويلة عن قتل شيخ البلد فأصلح ما بين المماليك ووحَّد كلمتهم، وصارت لشيخ البلد ،« إسماعيل بك » فخلفه ابنه الكلمة العليا على الوالي؛ فعمل الوالي سرٍّا على تحريض الفقاريين عليه إلى أن قتله أحدهم جركس  فوهب له الوالي ثروة إسماعيل بك، وأسند منصب شيخ البلد إلى ،( ذو الفقار) .

بعد أن فتك بأتباع إسماعيل بك. ويُعرف إسماعيل بك هذا بإسماعيل بك الكبير، ومِن آثاره بمصر سبيل ومكتب بجهة سوق العصر القديم بمدخل الدودية وحوش الشرقاوي كانا من أجمل مباني ذلك العصر، وبقي منهما الآن جزء خَرِب. ثم استعان ذو الفقار بما آل إليه من الثروة فيشراء المماليك وتدريبهم حتى صارت له قوة كبيرة؛ فانتزع السلطان من جركس بك، ووضع نفسه في منصب شيخ البلد، على السلطة، « عثمان بك » ولكنه لم يلبث أن ثار عليه المماليك وقتلوه، فقبض أحد قواده فصار شيخًا للبلد بعد أن انتقم لسيده شرَّ انتقام.

وكان عثمان بك ذا مقدرة وبأس؛ فعمل على توطيد السكينة وسهر على حفظ الأمن وإقامة العدل، فحسنت سيرته وأحبه الأهون، وبقي ذكره بعده زمنًا طويلًا، حتى إنه لما ثار عليه أعداؤه واضطَروه إلى الهروب من مصر صارت الناس تؤرخ حوادثهم بسنة هذا الأمر حدث بعد خروج عثمان بك بكذا من السنين، ووُلد , خروجه، فكانوا يقولون

و في سنة كذا من خروج عثمان بك ( الكردغلية ) : وسبب فراره من مصر أنْ قَوِيَ في عهده شأن حزبَين من المماليك، وهما زعيم الثاني على « رضوان بك » زعيم الحزب الأول و « إبراهيم بك » فاتفق ،« الجلفية » و
توحيد كلمة حزبَيهما، ونزع السلطة من عثمان بك، وجعلها في أيديهما معًا، وبعد نزاع طويل بينهما وبين عثمان بك تغلَّبا عليه، ففرَّ خوفًا منهما إلى الشام. ثم اقتسما السلطة بينهما، واتفقا على أن يشغلا منصبَي شيخ البلد وأمير الحج بالتناوب سنةً بعد أخرى. ولمَّا رأى الولاة أن السلطة قد سُلبت من أيديهم، عملوا على النكاية بإبراهيم بك ورضوان بك، ودبَّروا لقتلهما مكايد لم يفلحوا فيها، إلا أن البلاد لم تهدأ من الفتن بعدُ، وبقيَ أمراء المماليك في هيج على أنفسهم. سبيل ومكتب إسماعيل بك الكبير (في أيام رونقهما).

هكذا كانت حالة البلاد في هذا العصر الأخير، لا يكاد يفارقها الخلل والفوضى؛ تارةً بثور ان الجند ومكافحتهم للولاة، وطورًا بتنازع المماليك مع الولاة مرة ومع أنفسهم أخرى. وما زالت الحال كذلك حتى قبض على أَزِمَّة الأمور أحد المماليك الأقوياء، وهو فكان ذلك ابتداء حوادث جديدة ذات شأن آخر. ؛

( علي بك الكبير )


زوال ما كان للسلطان من القوَّة والنفوذ في مصر، على يد علي بك الكبير 9 في أول نشأته مملوكًا لإبراهيم بك السالف الذكر، فما زال يتقدم « علي بك الكبير » كان يعقد « علي بك » ومن ذلك الحين أخذ ،« بك » عنده لذكائه ومقدرته، حتى رقَّاه إلى رتبة الآمال على أن يتقوَّى شيئًا فشيئًا حتى يصير يومًا ما شيخًا للبلد؛ فقض ثمانية أعوام في شراء المماليك وتدريبهم، ولم يدخر في أثنائها وسعًا في استجلاب مودة البيكوات الآخرين.

إلى أفعاله، ورأى أن يقضيَ عليه قبل أن يستفحل « خليل بك » وأخيرًا تنبَّه شيخ البلد لكثرة انتصاراته. « الكبير »  سُمِّي أمره، فهجم عليه بجيوشه، فلم يقوَ عليه علي بك؛ فاضطُر إلى الفرار إلى الصعيد، وهنالك التقى بكثير من الساخطين على خليل بك فانضموا إليه، وزحف الجميع على القاهرة، فدخلوها بعد أن انتصروا على خليل بك وأتباعه في عدة مواقع أظهر فيها علي بك مقدرة كبيرة؛ وبذلك تم له أمر شياخة البلد سنة ( ١١٧٧ ه/ ١٧٦٣ م).

وكان سيده إبراهيم بك قد مات قتلًا، فلما تولَّى علي بك شياخة البلد أمر بإعدام قاتله، فلم يَرُقْ ذلك في أعين بيكوات المماليك، وتألَّبوا عليه وأَلجَئوه إلى الفرار إلى بيت المقدس، ثم وشَوْا به إلى السلطان، فأمر بطلبه إلى الأستانة، فاحتمى بأمير عكاء، فسعى هذا له لدى الباب العالي وأظهر براءته، فثبته السلطان في منصب شيخ البلد، فرجع إلى القاهرة وتسلَّم زمام الأمور بها مرة أخرى.

ولمَّا استتب له الأمر سهر على إصلاح البلاد وتوطيد السكينة بها، ورأى أن يُكثر من أتباعه كي يأمن غوائل المستقبل، فرقَّى ثمانية عشر من المماليك إلى رتبة البيكوية، ليكونوا هم وحاشيتهم أنصارًا له إذا احتاج إلى مساعدتهم. ثم طمحت نفسه إلى الاستقلال بمصر، فشرع يعمل على ذلك سرٍّا وينتهز له كل فرصة.

ولما نشبت الحرب بين الدولة وروسيا في سنة ( ١١٨٢ ه/ ١٧٦٨ م) طلب الباب العالي من مصر أن تمده باثني عشر ألف مقاتل، فأذعن علي بك لمطالب الدولة، وشرع في جمع الجيش، ولكن الدولة شكَّت في إخلاصه، واعتقدت أنه يجمع هذا الجيش لمساعدة روسيا عليها لتساعده على الاستقلال بمصر؛ فأرسلت بكتاب إلى الوالي بمصر تأمره فيه بقتل علي بك.

وكان لعلي بك عيون بالأستانة، فبادروا بتبليغه الخبر قبل وصول الكتاب إلى مصر؛ فتربص لحامل الكتاب وقتله قبل أن يصل إلى الوالي، ثم أعلن للمماليك أن الدولة أرسلت خطيبًا مؤثرًا، فأثار « علي بك » في هذا الكتاب أمرًا إلى الوالي بذبح جميع المماليك. وكان حميَّة المماليك، ونفَّرهم من الباب العالي، وذكَّرهم بمجد سلاطين المماليك الأقدمين، وأن الدولة تريد القضاء على هذا المجد، وعليهم أنفسهم؛ فأوقد النار في قلوبهم، وقرَّ قرارهم
على خلع الباشا وإخراجه من مصر في الحال، والدفاع عن استقلال البلاد.

ثم أعلن استقلال مصر وامتنع عن دفع الجزية للباب العالي سنة ( ١١٨٣ ه/ ١٧٦٩ م) ولاشتغال الدولة بمحاربة روسيا لم تقدر على الالتفات إليه؛ فانتهز علي بك هذه « جُدَّة » الفرصة لتوطيد ملْكه بمصر، ثم أرسل جيشًا لفتح بلاد العرب، فاستولى على لتكون له مركزًا للتجارة الهندية وموضعًا يراقب منه ملاحة البحر الأحمر، ولم يلبس أن أخضع باقيَ جزيرة العرب، وفي ذلك الحرمان الشريفان.

(محمد بك ) ثم وجَّه همته لفتح الشام، فأنفذ لذلك جيشًا به ٣٠٠٠٠ مقاتل بقيادة فكان حليفه النصر واستولى على كثير من مدن الشام. ، أبي الذهب على سيده هذا الملك العظيم فحسده، ورأى أيضًا « أبو الذهب » وعند ذلك أكبر أن الدولة ربما التفتت لمصر وأرجعتها إلى سلطانها فيصبح علي بك وأتباعه في خطر، فخطب وُدَّ الباب العالي واتفق معه على أن ينزع الملْك من علي بك، ويقبض هو على زمام الأمور بمصر، مع الخضوع للدولة. فقصد مصر بالجيش الذي كان معه بالشام، ولم يلبس أن استولى على البلاد، وفرَّ علي بك إلى عكا واحتمى بحاكمها مرة أخرى، وهنالك وجد أسطولًا روسيا، ففاوضه بشأن تحالفه معها، فأمدَّه الأسطول بالذخيرة والرجال؛ وبذلك استرجع المدن السورية التي كان قد فتحها له أبو الذهب، وعادت إلى الدولة بعد رجوع أبي الذهب عن الشام.

ثم جاءته الأخبار من مصر أن الناس في استياء من حكم أبي الذهب، وأنهم يودون قدومه لإنقاذهم منه؛ فخرج إلى مصر بقوة صغيرة، فانتصر أولًا على جيوش أبي الذهب بجهة الصالحية، ثم دسَّ هذا على رجال علي بك مَن أوقع في قلوبهم الفتنة، فانقبلوا على وخذلوه، فانهزمت جيوشه وأخُذ هو أسيرًا إلى القاهرة، فمات بها بعد بضعة ( علي بك) أيام بسبب الجراح التي أصابته وهو يدافع في الواقعة الأخيرة دفاعًا شديدًا. ومن أعماله تجديد قبة الإمام الشافعي، وإنشاء سوق ببولاق.

ولاه حكم مصر على ذلك، فمنحه لقب « أبا الذهب » وكافأ الباب العالي، فلم يتمتع بذلك؛ إذا مات بعدها بعامين، ودُفن بجامعه الذي شيَّده أمام الأزهر، وهو آخر جامع كبير أنُشئ بمصرفي عهد العثمانيين. مراد إبراهيم بك » : عند ذلك قبض على أَزِمَّة الأمور اثنان من المماليك، وهما واتفقا على أن يتولَّيَا شياخة البلد وإمارة الحج بالتناوب كما حدث بين رضوان  بك ,وإبراهيم بك من قبل. فوقع بينهما شيء من الاختلاف في أول الأمر، ثم صلح ما بينهما وبقيا قابضَين على مقاليد الأمور من ذلك الحين إلى أن أغار الفرنسيون على البلاد سنة ( ١٢١٣ ه/ ١٧٩٨ م)، ما عدا فترة (من ١٧٨٦ إلى ١٧٩٠ م) عاد النفوذ فيها إلى العثمانيين.وذلك أن الدولة أرسلت حملة لتوطيد السكينة وإطفاء الفتن التي انتشرت في البلاد في أوائل حكم إبراهيم بك ومراد بك، فوصلت الحملة في شهر يونيو سنة ١٧٨٦ م، مراد بك .

واستولت على القاهرة بعد قتال لم يقوَ فيه المماليك على مقاومة المدافع التركية؛ ففرَّ إبراهيم ومراد إلى الصعيد. وفي سنة « إسماعيل بك » وعهد العثمانيون بشياخة البلد لأحد بيكوات المماليك المدعو ١٢٠ ه/ ١٧٩٠ م حدث بالبلاد وباء شديد اكتسح أسرة إسماعيل بك، فعاد إبراهيم بك ومراد بك من الصعيد واستردَّا منصبهما، وأخذا يحكمان البلاد بحزم لا بأس به، إلا أنهما اشتطَّا في ابتزاز أموال الناس، وخصوصًا التجار، حتى الفرنج منهم؛ فكثرت شكاوى هؤلاء إلى دولهم؛ ممَّا لفت نظر أوروبا إلى مصر وجعله الفرنسيس ذريعة لإغارتهم عليها في ( ١٢١٣ ه/ ١٧٩٨) م.


مواضيع قد تهمك


المراجع


ختاما

رحمني الله وإياكم , أن الله جل جلاله أمرنا أن نصلي على نبيه فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56] لقد تعرضنا أخي الزائر الكريم في المقال إلي حكم العثمانيين لمصر ,ونظام الحكم العثماني في مصر ,ومصر تحت الحكم العثماني ,وانجازات العثمانيين في مصر ,والمماليك وأهل البلاد ,وأشهر الولاة وأهم الحوادث ,ومساوئ الحكم العثماني في مصر عودة النفوذ إلى المماليك البيكوات ,و( علي بك الكبير ) . اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد...





إرسال تعليق

أحدث أقدم