الآثار المصرية..الآثاروالصناعة فى مصر القديم و أشهر الآثار الفرعونية

              

الآثار المصرية..الآثاروالصناعة فى مصر القديم و أشهر الآثار الفرعونية
                 
 

تبدأ الفترة التاريخية المصرية القديمة بتوحيد مصر العليا والسفلى في حوالي عام 3100 ق.م. وقد استمرت هذه الحقبة ما يقرب من ثلاثة آلاف عام ازدهرت على مدارها جوانب شتى في الفنون والعلوم.

اثار مصر الفرعونيه القديمه

ربما كانت الآثار التي خلفها لنا المصريون أكثر مما تركته أية أمة عظيمة من أمم السلف؛ فإن الوادي كله مشحون ببقايا معابدهم ومدائنهم متراكمًا بعضها فوق بعض،حتى إن من نظر إلى السلسلتين اللتين تكتنفان هذا الوادي رأى القبور منحوتة في جميع أجزائهما بحيث إنهما يعتبران كمقبرة واحدة، هذا واعلم أن الآثار التي شوهدت وأمكن البحث فيها إلى الآن هي شيء قليل في جانب ما بقي تحت البحث والنظر، وما عسا ينكشف لنا مع توالي الأيام.

بحث عن اثار مصر الفرعونية 

العمارة هي الفن الذي برع فيه المصريون أكثر من غيره، وفازوا فيه بالقدح المعلى، والنصيب الأوفر الأوفى، وقد تركوا لنا نموذجات ورواميز لهذا الفن هي البالغة في الإتقان والكمال؛ فقد بنوا معابدهم بالحجارة الكلسية، أو الأحجار الرملية، وأما الأبواب وبعض الحجرات الداخلية فكانوا يصنعونها من الصوان الجرانيت الوردي أو الأسود.

 وقد يندر أن تكون الكتل متساوية موضوعة بوضع منتظم تمام الانتظام، بل وتختلف أحجامها والمداميك تأخذ مواضع بعضها، ولكنها كلها مرصوفة منضدة بحذق زائد، ومهارة تامة، حتى إنها قاومت الدهور، وصبرت على ممر الزمان، بل صبَر ويصبر على ممرها الزمان، مع أن العمائر التي اعتبر بناؤها أحسن وأجود قد ذهبت في خبر كان.

اثار مصر الخالده

ثم إن أغلب معابد الدلتا ومصرالوسطى ليست الآن إلا أطلالًا دراسة ورسومًا دائرة، لا يكاد يتهيأ للمتبين أن يميز الشكل الذي أقيم عليه بناؤها، والصورة التي أعطيته عند تشييدها. أما معابد الوجه القبلي فحظها من الحفظ أوفر، ونصيبها في البقاء أكثر، فإن وإدفو ودندرة محفوظة حفظًا تامٍّا؛ - كثيرًا من هذه الهياكل في جزيرة بلاق بحيث إن أقل ترميم يكفي لإعادتها كما كانت زمن تلك العبادة.
واعلم أن هذه المعابد منظمة على نسق واحد، وذلك أن الهيكل الحقيقي هو عبارة عن حجرة مظلمة تسكنها صورة الإله سواء كان بتمثاله أو برموز العبادة الخاصة به، وكانوا يقتصرون على هذه الحجرة في المدائن التي ليس لها أهمية كبيرة.

ومتى ساعدت الظروف أضافوا إليها غرفًا أخرى يعدونها لوضع القرابين وللاحتفال فيها بقداس الإله في أيام معينة، وما كان الدخول في هذا القسم من العمارة مباحًا في كل وقت إلا للكهنة والملك، وكان من عاداتهم أن يقيموا أمامها حجرة كبيرة واسعة ذات عمدان يكاد يكون الولوج فيها مباحًا للجمهور، وكانوا يجتمعون فيها في أيام المواسم والأعياد.

 وكان باب هو عبارة عن باب هذة  الحجرة يوصل إلى فناء حوله أبواب محصنة بصرح كبير هائل له فتحة على يمينها ويسارها برجان يكونان في الغالب مرتفعين ارتفاعًا شاهقًا، وهذا الشكل يتكرر في جميع أنحاء وادي النيل مع اختلاف قليل؛ فهو الذي تراه في العمائر الفخيمة بطيبة والكرنك والأقصرومدينة هابو، وهذا الرسم هو المتبع أيضًا في بلاد النوبة.

غير أن بعض غرف الهيكل أو الهيكل كله كما في أبي سمبل تراه منقورًا في الصخر بحيث يكون مغارة فسيحة هائلة. ولما كانت الآلهة تحب أن تحيط بها الأسرار كان القوم يبنون المعابد؛ بحيث إن الإنسان لا يشعر بالانتقال من نور شمس العالم الخارجي إلى ظلام الحجر الإلهية؛ فإن مداخل الهيكل تكون فسيحة يتخللها الهواء، وينبعث فيها الضياء من غير أن يصادفهما أدنى عارضوأما الإيوان الكبير ذو العمدان، فيقل النور فيه ثم يشتد الظلام في المحراب فيكون شبيهًا بشفق غير واضح، حتى إذا وصل الإنسان إلى قدس الأقداس رأى الليل الحالك والظلام التام. 

زخرفة المعابد

كانت الزخرفة في غاية البهاء ونهاية الرواء، فكانت جدران كل غرفة مزدانة من أعلاها إلى أسفلها برسوم ونقوش توافق ما خُصصت له هذه الغرفة، فيمثلون في المحراب الزورق المقدس الذي يعيش فيه الإله، وفي الحجرات المجاورة له القرابين والضحايا، وفي الإيوانات المعمدة هيئة الموكب والاحتفالات، وعلى الصرح والحيطان الخارجية أشكالًا للقتال والوقائع الحربية.

يرى الناظر إليها ملك مصر قاهر أعداء مصر بمعونة الإله الذي شُيد له الهيكل، وكانوا يضعون أمام الصرح تماثيل هائلة قد يبلغ ارتفاع الواحد منها ١٦ مترًا؛ مثل صنمي ممنون في طيبة، ومسلات منضودة أزواجًا أزواجًا، وأمام ذلك كله مماشٍ على جانبيها تماثيل الإسفنكس؛ وهي آساد لها رأس إنسان أو كبش، أو هي كباش كبيرة الجثة رابضة على الأرضيشار بها إلى أنها حرس رمزي يقوم بخفارةمقدم الهيكل على الدوام. 

القبور

كانت القبور أيضًا مشحونة بكثير من النقوش والتصاوير، وكان بعضها منعزلًا وقائمًا بسفح الروابي أو بمنحدر النجوات والهضبات الفاصلة بين مصر والصحراء، وكانت أجداث ملوك الدولة الأولى والوسطى عبارة عن أهرام من الحجارة أو الآجر. وقبور أفراد الناس مساطب متطاولة من حجر الجير الأبيضتقابل كل زاوية منها جهة من الجهات الأربع الأصلية، ويجعلون وجهتها عادة نحو الشمال، ولها باب قد يكون أمامه عمدان صغيرة ويتوصل من هذا الباب إلى الحجرات الداخلية وإلى ضريح الميت؛ حيث يجتمع أقرباؤه مرارًا في كل عام لتقديم القرابين له.

ويرى المتأمل في الصور المنقوشة على جميع الجدران هيئة القربان وكافة الأعمال الدنيوية التي يكون بها تجهيزه، وتربية الغزلان والأثوار والأطيار وذبحها، وبذر البذور في الأرض، وحصد القمح، واصطناع الخبز، وتقديم الأرغفة، والصيد في البر والبحر، والألعاب المختلفة الأنواع، ويكون فوق الضريح رجام من الرخام أو ما يشابهه من الأحجار الصلدة منقوشًا في أحد الجدران أو قائمًا بجانبه، وهو بمثابة باب مغلق على الدوام، وخلفه تنفتح أجزاء القبر المخصصة للروح،

وهناك أيضًا دهاليز وآبار وحجرة يكون بها التابوت وفيه المومياء.
ومن ابتداء العائلة الثانية عشرة اختلطت القبور المنقورة في الجبل بالقبور المنعزلة، وعدل ملوك طيبة في الدولة الأخيرة عن اتخاذ الأهرام، فأمر كثير منهم بدفن جثثهم في جبال لوبيا. وأما ملوك العائلة الثامنة عشرة فإن مدافنهم بالجهة المعروفة الآن بالأصاصيف، وأما ملوك العائلتين التاسعة عشرة والعشرين ففي باب الملوك قبورهم؛ وأجملها في البهجة والإبداع والرونق وحسن الاصطناع هما قبرا سيتي الأول، وابنه رمسيس الثاني.

النقش والتصوير

كان النقش والتصوير عبارة عن فنين مكملين لفن العمارة، فكل جدار كان مزدانًا بنقوش بارزة، وكل نقش بارز كان محلَّى بالتصوير والتلوين بالأصباغ على هيئة سطوح مستوية متناسقة، بعضها فوق بعض بترتيب عجيب، بحيث لا تكون مختلطة ولا ممزوجة. وكانوا يُحَلُّون النقوش تحلية بالألوان، ولا يرسمونها بالمعنى المتعارف عندنا في هذا الزمان.

وكانت التماثيل المنعزلة أو المجتمعة حول بعضها مصورة بالألوان أيضًا، فالجهات الممثلة للحم منها ملونة باللون الأحمر فيما يختص بالرجال، وبالأصفر الفاقع فيما يختصب النساء، ولم يكن تصويرها بالغًا نهاية ما يصوره الخيال من الكمال، بل كانت عبارة عن صور للنساء والرجال بالغة في الصحة والدقة، وكل شخص له من هيئته ووصفه إشارة إلى الحالة التي تليق بمقامه خاصة؛ فالسيد الجليل يكون واقفًا وفي يده العصا، أو جالسًا على مسطبة من الحجارة، وجسمه معتدل، ورأسه مرتفع، ونظره حاد، والكاتب يجثو أمامه بكل خضوع، وذراعاه مشتبكان فوق بعضهما، أو يقعد مربعًا وعلى ركبتيه درج من البردي كأنه مستعد لتسطير ما يمليه عليه مولاه.

الفنون الصناعية

وفي أطلال المدائن، والفائدة المترتبة عليها المرتبطة بها عظيمة جدٍّا؛ لكونها تحدثنا بتاريخ الصناعة في مصر، بل وبتاريخها على العموم، فإن أهل مصر كانوا يبعثون إلى الشام وكلديا وفينيقية، وإلى اليونان وإيطاليا، وإلى بلاد الغاليا وإسبانيا على بعدهما، ونزوحهما بعدد عظيم، ومقدار كبير من مصنوعاتهم في المجوهرات والمصوغات، والخزف والأقمشة، والعلب والغمدات التي من الخشب المشغول، وكثيرًا ما اقتدى بهم وحاكاهم في بعضأعمالهم أمم البحر الأبيض المتوسط الذين كانوا بين الحضارة والهمجية، فإن الخناجر التي وجدت في ميسينة في قبور رؤساء أرجوس هي من نفس طراز الخناجر التي استكشفت في طيبة على مومياء والدة أموسيس، وجاء أول الصناع وأرباب الفنون عند اليونان، فقلدوا صور الآلهة عند المصريين، كما أن التماثيل الحجرية القديمة التي كشف عنها التراب من جهات كبيرة ببلاد الهلاداليونان إنما هي تعظيم محفوف بالدقة، ولكنه خالٍ من الرقة، أخُذ عن التماثيل الصغيرة التي من البرونز، أو من الأحجار الدقيقة المصورة لبعض آلهة المصريين، فكانت هذه الأشياء الدقيقة وحدها سببًا في تأثير نفوذ مصرعلى بلاد اليونان، وتأثير بلاد اليونان على الأمم الحديثة مدة قرون من الزمان.

ونرى في الوادي المعروف بباب الملوك الذي به مدافن فراعنة العائلة التاسعة عشرة والمتممة للعشرين أجمل وأبهى ما في مصرمن القبور التي تحت الأرض! ولم يكُن النقش والتصوير إلا متممين لفن العمارة، وقد ظهر في قبور العصر المنفي مع ذلك بعض تماثيل من الحجر أو الخشب، هي في بابها أكمل ما يمكن الانتهاء إليه في الإتقان؛ مثل تمثال الكاتب الجالس المحفوظ بمتحف اللوفر بباريس، وتمثال شيخ البلد، وتمثال خفرن المحفوظين بمتحف الجيزة.

وقد تقدمت الفنون الصناعية تقدمًا باهرًا منذ القرون السوالف والأعصار الخوالي، وكان في المصنوعات الدقيقة الصغيرة التي من زجاج أو مينا أو معدن منقوش أو مسبوك مثال نسج عليه الفينيقيون واليونان حينما انتقلت هذه الأشياء إلى خارج القطر المصري بواسطة التجارة، وقد ساعدت مساعدة قوية كلية على بث الذوق الصناعي في الأمم الغربية التي كانت لم تزل بعد في حالة الهمجية والبربرية.

تصنيف الصناعات فى مصر

ومع إزدياد الفائض من الثروة شيئاً فشيئاً نتيجة عمل الزراع ، وإدخار الطعام لمن يعملون في التجارة والصناعة. وكانت مصر تستورد المعادن من بلاد العرب والنوبة لقلتها فيها. وكان بُعد مراكز التعدين مما لا يغري الأهالي بإستغلالها لحسابهم الخاص ، ولذلك ظلت صناعة التعدين قروناً كثيرة محتكرة للحكومة. وكانت مناجم النحاس تغل مقادير قليلة منه ، أما الحديد فكان يستورد من بلاد الحيثيين ، وكانت مناجم الذهب منتشرة على طول الضفة الشرقية للنيل وفي بلاد النوبة .

 كما كان يؤتى به من خزائن جميع الولايات الخاضعة لسلطان مصر. ويصف ديودور الصقلي (56 ق.م) المعدنين المصريين وهم يتبعون بالمصباح والمعول عروق الذهب في الأرض ، والأطفال وهم يحملون المعدن الخام ، والمهارس الحجرية وهي تطحنه ، والشيوخ والعجائز وهم يغسلونه. ولسنا نعرف بالضبط ما في هذه الفقرة الشهيرة من تزييف مبعثه النعرة القومية العارمة: "إن ملوك مصر يجمعون السجناء الذين أدانهم القضاء ، وأسرى الحرب وغيرهم ممن وجهت إليهم التهم الباطلة وزجوا في السجون في سورة من الغضب، وهؤلاء كلهم يرسلون إلى مناجم الذهب تارة وحدهم وتارة مع جميع أسرهم ، ليقتص منهم عن جرائم إرتكبها المجرمون منهم ، أو ليستخدموا في الحصول على دخل كبير نتيجة كدهم...

وإذا كان هؤلاء العمال عاجزين عن العناية بأجسامهم ، ليس لهم ثياب تستر عريهم ، فإن كل من يرى هؤلاء البائسين المنكودي الحظ تأخذه الرحمة بهم لفرط شقائهم. ذلك أنه لا يرى أحداً يرحم المرضى والمشوهين والعجزة والضعاف من النساء ، أو يخفف العمل عنهم. ولكن هؤلاء كلهم يُلزمون بالدأب على العمل حتى تخور قواهم ، فيموتوا في ذل الأسر. ولهذا فإن هؤلاء البائسين المساكين يرون مستقبلهم أتعس من ماضيهم لقسوة العقاب الذي يوقع عليهم، وهم من أجل ذلك يفضلون الموت على الحياة".

  اهميه اثار مصر

وعرفت مصر في عهد الأسرات الأولى كيف تصنع البرونز بمزج النحاس بالقصدير ، وصنعت منه أو الأمر أسلحة برنزية كالسيوف ، والخوذات والدروع ؛ ثم صنعت منه بعدئذ أدوات برنزية كالعجلات ، والهراسات ، والرافعات ، والبكرات ، وآلات رفع الأثقال ، والأوتاد ، والمخارط ، واللوالب ، والمثاقب التي تثقب أقسى أحجار الديوريت ، والمناشر التي تقطع ألواح الحجارة الضخمة لصنع التوابيت. وكان العمال المصريون يصنعون الآجر والأسمنت والمصيص .

 ويطلون الفخار بطبقة زجاجية، ويصنعون الزجاج وينقشونه هو والفخار بمختلف الألوان. وقد برعوا في حفر الخشب يصنعون منه كل ما يصلح لصنعه من قوارب وعربات وكراسي ، وأسرة ، وتوابيت جميلة تكاد تغري الأحياء بالموت. واتخذوا من جلود الأنعام ملابس وكنانات ، ودروعاً، ومقاعد. وقد صورت على جدران المقابر كل الفنون المتصلة بدبغ الجلود، ولا يزال الأساكفة إلى الآن يستخدمون السكاكين المقوسة المصقولة على تلك الجدران في أيدي دابغي الجلود.



وصنع المصريون من نبات البردي الحبال والحصر والأخفاف والورق. وإبتدعوا فن الطلاء بالميناء والورنيش وإستخدموا الكيمياء في الصناعة. ومن الصناع من كان يعمل في نسج القماش من أدق الخيوط المعروفة في تاريخ النسج كله. وقد عثر المنقبون على نماذج من الكتان منسوجة من أربعة آلاف عام، وعلى الرغم من عوادي الأيام فإن "خيوطها قد بلغت من الدقة حداً لا يستطيع الإنسان معه أن يميزها من خيوط الحرير إلا بمجهر. وإن أحسن ما أخرجته المناسج الآلية في هذه الأيام ليعد خشنا إذا قيس إلى هذا النسيج الذي كان يصنعه المصريون الأقدمون بأنوالهم اليدوية. وفي هذا يقول بسكل: "إذا فاضلنا بين قدرة المصريين الفنية وقدرتنا نحن، تبين لنا أننا كنا قبل اختراع الآلة البخارية لا نكاد نفوقهم في شيء".

ادوات الصناعة قديما

وكانت الكثرة الغالبة من الصناع من الأحرار ، وقلتهم من الرقيق. وكان العاملون في كل صناعة من الصناعات يؤلفون طبقة خاصة كما هو الحال في الهند اليوم. وكان يطلب إلى الأبناء أن يتخذوا صناعات آبائهم. وقد جاءتهم الحروب بآلاف من الأسرى فكانوا عونا على إنشاء الضياع الواسعة وعلى رقي فن الهندسة. وقد أهدى رمسيس الثالث في أثناء حكمه 000ر113 أسير إلى الهياكل". وكان النظام المألوف للصناع الأحرار أن تؤلف منهم فرق تتبع رئيساً منهم أو مشرفاً عليهم يؤجر على عملها جملة ويؤدي هو لأفرادها أجورهم. وفي المتحف البريطاني لوحة طباشيرية سجل فيها أحد رؤساء العمال أسماء ثلاثة وأربعين عاملا ودّون أمام أسمائهم أيام غيابهم وأسباب هذا الغياب من مرض أو تضحية للإله أو مجرد الكسل. وكان الإضراب كثير الحدوث؛ وقد حدث مرة أن تأخر صرف الأجور للعمال زمناً طويلاً فحاصروا رئيسهم وأنذروه بقولهم له : "لقد ساقنا إلى هذا المكان الجوع والعطش ، وليست لنا ثياب ، وليس عندنا زيت ولا طعام؛ فأكتب إلى سيدنا الملك في هذا الأمر ، وأكتب إلى الحاكم (حاكم المقاطعة) الذي يشرف على شؤوننا حتى يعطيانا ما نقتات به". وتروي إحدى القصص اليونانية المتواترة خبر فتنة صماء إندلع لهيبها في مصر إستولى فيها العبيد على إحدى المديريات ، وظلت في أيديهم زمنا طويلاً كانت نتيجته أن الزمن ، الذي يجيز كل شيء ، أقر إمتلاكهم إياها. لكن النقوش المصرية لا تذكر شيئاً قط عن هذه الفتنة. ومن أغرب الأشياء أن حضارة كانت تستغل العمال هذا الإستغلال القاسي لم تعرف أو لم تسجل إلا عددا ضئيلاً من الثورات.

اشهر الصناعات المصرية

وكان فن الهندسة عند المصريين أرقى من كل ما عرفه منه اليونان أو الرومان ، أو عرفته أوربا قبل الإنقلاب الصناعي؛ ولم يتفوق عليهم فيه إلا عصرنا الحاضر ، وحتى في هذا القول الأخير قد نكون مخطئين.

مثال ذلك أن سنوسرت الثالث شاد سوراً حول بحيرة موريس طوله سبعة وعشرين ميلاً ليجمع فيها ماء منخفض الفيوم ، وأصلح بعمله هذا 000ر25 فدان كانت من قبل مناقع ، فأصبحت صالحة للزراعة ، هذا إلى أنه إتخذ من هذه البحيرة خزاناً واسعاً لماء الري. وإحتفرت قنوات عظيمة منها ما يصل إلى النيل بالبحر الأحمر ، وإستخدمت الصناديق الغاطسة للحفر تحت الماء ، ونقلت المسلات التي تزن ألف طن من أماكن قاصية. وإذا جاز لنا أن نصدق ما ينقله لنا هيرودوت ، أو نحكم على أعمال السابقين بما نشاهده من صورها في النقوش البارزة التي خلفتها الأسرة الثامنة عشرة، قلنا أن هذه الحجارة الضخمة كان يجرها آلاف من العبيد على عروق من الخشب مطلية بالشحم ، ثم ترفع إلى أماكنها في البناء على طرق طويلة تبدأ من أماكن بعيدة.

 ولقد كانت الآلات نادرة لأن الجهد العضلي كان رخيصاً ، وليس أدل على هذا الرخص من نقش بارز صور فيه ثمانمائة من المجدفين يدفعون سبعة وعشرين قارباً تجر وراءها صندلاً للنقل يحمل مسلتين. هذا هو العصر الذهبي الذي يريد من ينادون بتحطيم الآلات أن يعودوا إليه. وكانت سفن يبلغ طول الواحدة منها مائة قدم وعرضها خمسين قدماً تمخر عباب النيل والبحر الأحمر ، ثم إنتقلت آخر الأمر إلى البحر الأبيض المتوسط. أما في البر فقد كانت البضائع ينقلها الحمالون ، ثم إستخدمت في نقلها الحمير ثم الخيل ، وأكبر الظن أن الهكسوس هم الذين جاءوا بالخيل إلى مصر. ولم يظهر الجمل في مصر إلا في عهد البطالمة.

 وكان الفقراء من أهلالبلاد يتنقلون مشياً على الأقدام أو يستخدمون قواربهم البسيطة ، أما الأغنياء فكانوا يركبون رجازات يحملها العبيد ثم صاروا فيما بعد يركبون عربات غير أنيقة الصنع يقع ثقلها كله أمام محور العجل. وكان لدى المصريين بريد منتظم؛ فقد جاء في بردية قديمة: "أكتب إلىّ مع حامل الرسائل". إلا أن وسائل الاتصال لم تكن مع ذلك ميسرة ، فقد كانت الطرق قليلة غير معبدة ما عدا الطريق الحربي الممتد من نهر الفرات ماراً بغزة. وكان التواء النيل- وهو أهم وسائل الإنتقال وقتئذ- مما ضاعف البعد بين المدن المختلفة. وكانت التجارة الداخلية بدائية نسبياً، يتم معظمها بطريق المقايضة في أسواق القرى .

 ونمت التجارة الخارجية نمواً بطيئاً ، وعاقها ما كان يفرض عليها من قيود شديدة أشبه ما تكون بأحدث الحواجز الجمركية المفروضة على التجارة الخارجية في هذه الأيام. ذلك أن ممالك الشرق الأدنى كانت قوية الإيمان بمبدأ "الحماية التجارية" لأن الضرائب الجمركية كانت مورداً للخزائن الملكية. على أن مصر مع هذا قد أثرت بما كانت تستورده من المواد الغفل وتصدره من المصنوعات. وكانت أسواق مصر غاصة بالتجار السوريين والكريتيين والقبرصيين ، كما كانت السفن الفينيقية تجري في النيل من مصبه في الشمال إلى أرصفة طيبة الكثيرة الحركة في الجنوب. ولم تكن النقود قد بدأت تستعمل في البيع والشراء ، ولذلك كان كل شيء ، حتى مرتبات أكبر الموظفين ، يؤدى ، سلعاً ، حَّبا أو خبز ، أو خميرة ، أو بيرة أو نحوها.

وكانت الضرائب تجبى عيناً ، ولم تكن خزائن الملك غاصة بالنقد بل كانت مخازن تكدس فيها آلاف السلع من منتجات الحقول وبضائع الحوانيت. ولما أخذت المعادن الثمينة تتدفق على مصر بعد فتوح تحتمس الثالث شرع التجار يؤدون ثمن ما يبتاعونه من البضائع حلقات أو سبائك من الذهب، تقدر قيمتها بالوزن في كل عملية تجارية ؛ ولم تضرب نقود ذات قيمة محددة تضمنها الدولة لتسهيل هذه العمليات. على أن نظام الغئتمان قد نشأ بينهم وإرتقى ، وكثيرا ما كانت التحاويل والصكوك المكتوبة تحل محل المقايضة أو الدفع فورا ؛ ووجد الكتبة في كل مكان يعجلون الأعمال بوثائق المبادلة القانونية .

 وأعمال المحاسبة والأعمال المالية. وما من أحد زار متحف اللوفر إلا شاهد تمثال الكاتب المصري الجالس مطوي الساقين ، وجسمه كله يكاد يكون عارياً ، ومن خلف أذنه قلم إحتياطي غير القلم الذي يمسكه بيده ، وهو يدون ما يقوم به ويسجل ما يؤدى من العمل ، وما يسلم من البضائع ، وأثمانها وأكلافها ، ومكسبها وخسارتها. يحصي الماشية الذاهبة إلى المذبح ، والحبوب وهي تكال للبيع ، ويكتب العقود والوصايا ، ويقدر ما يجب على سيده أن يؤديه من ضريبة الدخل. والحق أنه لا جديد تحت الشمس.


1 تعليقات

أحدث أقدم