تغلب الأجانب على مصر وخراب مصر الفرعونية وششنق الأول وذكر انقسام مصرإلى دول صغيرة وخراب المملكة المصرية الكبرى وذكر الصاوية وحروب الفراعنة والفرس و سنكتب هنا عن كل هذه المواضيع أخى الزائر الكريم فتابعنا دوما.
خراب مصر الفرعونية( انحطاط طيبة (
كانت طيبة في مبدأ الدولة الأخيرة قاعدة الديار المصرية، ولكونها واقعة تقريبًا في منتصفالمسافة التي بين الدلتا والنوبة العليا فكانت هي المركز الذي يتولى فيه الفراعنة إدارةالسلطة والأحكام بالسهولة، على طرفي مملكتهم.
ثم إن مصر نالت ثروة عظيمة وحظٍّاوافرًا من افتتاح الشام في الشمال، وتوسيع مستعمراتها في الجنوب، ولكنها ما لبثت أن عاد عليها ذلك بالخسران فقد شُغل الفراعنة من غير انقطاع بكبح جماح الثائرين في آسيا، وبصد هجمات أمم البحر.
ورأوا أن المدينة التي هي في داخل البلاد على مسافة مائة مرحلة وأكثر لا يصح أن تكون مركزًا لإدارة الأعمال الحربية؛ فاعتادوا على الإقامة بمدائن الدلتا مثل منف وسايسصان الحجر وبوبسطة تل بسطة وتنيس، فرجعت إليها الحياة السياسية.
وذكر العائلة الحادية والعشرين التنيسية
ولانعدام توارد الغنائم وأسلاب الفتوحات إلى طيبة نشب الفقر فيها مخالبه، ثم صار الأمر فيها لأكابر الكهان إذ كانت سيطرتهم آخذة على الدوام في الازدياد والامتداد حتى إذا مات آخر رمسيس في حدود سنة ١١٠٠ ق.م تنازع خصمان في الجلوس مكانه على تخت الملك؛ وهما الكاهن حرحور في طيبة.
وسمندس التنيسي في الدلتا، ثم فاز سمندس هذا وغلب على صاحبه وأسس عائلة زال بها سلطان طيبة بعد أن توالى دهورًا وعصورًا. على أن طيبة لم ترضَبخروج السلطة من يدها من غير مكافحة ولا مجالدة، فإنها
اعتمدت على أتيوبيا التي كانت تدين بدينها وتسير وفق نظامها؛ فشكلت إمارة واسعة الأرجاء تبتدئ من سهول سنار وتنتهي فيما وراء أسيوط، وكان رئيس هذه الإمارة الإله آمون، وبعبارة أخرى خليفة هذا الإله في الدنيا، وظله على الأرضوهو الكاهن الأكبر.
ثماضطر كبراء الكهان بالرغم عنهم للاعتراف بسيادة فراعنة الدلتا، ولكن هؤلاء لم يُقيَّض لهم البقاء على منصة الأحكام، فإنهم كانوا يعتمدون على عصابات المرتزقة من الجند وقد سمحوا لكبار دولتهم بأن يضعوا أيديهم على أمهات المدن في القطر.
وأن ينشئوا لأنفسهم إقطاعًا عسكرية تكاد تكون مستقلة، فاستولت إحدى كبار العائلات اللوبية المتوطنة في بوبسطة تل بسطة على المناصب السامية في الدولة، وآل الأمر بهم إلى أن جلس رجل منهم وهو ششنق على سرير الملك في نحو سنة ٩٤٠ ق.م.
ششنق الأول وذكر انقسام مصرإلى دول صغيرة
استولى ششنق هذا على إمارة طيبة، وجمع تحت سلطانه نصفي الديار المصرية، ثم تداخل في شئون العبرانيين، وأخذ أورشليم من الملك رحبعم في حدود سنة ٩٢٥ ق.م، وأعاد شيئًا مما قد كان لمصر من النفوذ في الخارج.
ولكن بعد وفاته ضربت الفوضى أطنابها في البلاد، فحصرالرؤساء اللوبيون سلطة الفرعون شيئًا فشيئًا في بعضالمدائن،
ثم نزعوها منه مرة واحدة، وتلقب بعضهم بألقاب ملوكية، فانقسمت بذلك الدلتا ومصر الوسطى إلى زهاء عشرين دولة، تكاد تتكافأ قواها.
أما ذرية أكابر كهنة آمون فقد لجأوا إلى الجنوب، واستقروا بأتيوبيا، وأنشئوا فيها دولة تختها مدينة نباتا جبل البرقل،
وكانوا أخذوا طيبة، وصاروا يطالبون ببقية البلاد قائلين بأنها آلت لهم عن أجدادهم، وفي أثناء ذلك استولى تُفنُخت أحد صغار الرؤساء اللوبيون على مدينة سايس، ثم على منف (في حدود سنة 750 ، وساد على أغلب مدائن الدلتا، فأما المدائن التي لم يكن قد أخضعها، فإنها استغاثت بملك أتيوبيا المسمى بُعنُخي فبادر لتلبية دعوتهم، وقهر
تفنخت، وأعاد وحدة مصر، وأدخلها في قبضة عائلته.
ولكن مدينة نباتا التي هي قاعدة الدولة الأتيوبية كانت بعيدة عن البحر الأبيض المتوسط بُعدًا لا يسمح لملك مقيم فيها بسهولة المحافظة على سلطانه على الوادي كله، ومن جهة أخرى كان الشغب سائدًا في سايس مدينة صا، وغيرها من مدائن الدلتا.
بحيث إنها ما كانت تطيع لسلطان مستقر في داخل أفريقية إلا إذا كانت صاغرة مقهورة والمرتزقة لفظ عربي ينبغي الاحتفاظ به,بالقوة والاقتدار؛ فلذلك انتشب القتال بين ذرية تفنحت وبين سلالة كبراء الكهنة؛ أي بين الدلتا وأتيوبيا؛ طمعًا من كل منهما في نوال السيادة العامة على بر مصر.
القتال بين الصاويين والأتيوبيين، وذكر تملك الآشوريين على مصر فاستمر الحرب بينهما سجالًا زهاء قرن كاملفيما بين سنتي ٧٥٠ و ٦٥٠ ق.م، وقد فاز ابن تفنخت المدعو بوكوريس على صاحبه الأتيوبي بضع سنوات)كان فيها حكم
العائلة الرابعة والعشرين الصاوية(، ثم خلعه سباقون الأتيوبي، ورسخت دولته مدة من الزمان، حتى إنهم جعلوه رأس عائلة رسمية هي العائلة الخامسة والعشرون الأتيوبية, وقد تداخل في أمور الشام تداخلًا مقرونًا بالبأساء والتعساء.
حتى استوجب ذلك إغارة الأجانب على مصر، وكان ذلك في الوقت الذي تمت فيه الغلبة للآشوريين على ملوك دمشق وإسرائيل، وأخذوا في تضييق الحصار على مدينة صور، وبلاد يهوذا، وأمراء فلسطين؛ فهزمها سرجون وسِنَّاحَريب، ولم تنجُ مصر من الدمار والخراب إلا بمعجزة خارقة للعادة؛ وذلك أن جيش سناحريب عندما صار على مقربة منها أباده سيف ملاك.
الرب، كما يقول العبرانيون، أو أعدمه الإله فتاح كما يزعم المصريون في سنة ٧٠١ لم يعتبر بهذا، فإنه جلب على نفسه - على أن الملك الثالث وهو طهراق سخط أشرحدون آشوراخي الدين بسبب الدسائس التي بثها في الشام بين الولاة التابعين لآشور، فهزمه هذا الملك وأقصاه إلى أتيوبيا، واستولى على منف، ووضع القطر تحت ولاية مرزبان من الآشوريين، ثم أعاد الأتيوبيون الكرَّة ثلاث مرات في مدة عشر سنينمن سنة ٦٧١ إلى سنة ٦٦٠ .
وصدهم آشور بأنيال خليفة أشرحدونآشوراخي الدين فاغتنمت العائلة الصاوية فرصة انقلاب الدهر عليهم، وزوال الإقبال
عنهم، فإن رؤساءها وهم: نخاو الأول، يتلوه أبسماتيك كانوا مذبذبين في موالاة الآشوريين تارة، ومصافاة الأتيوبيين تارة أخرى بحسب ما فيه الحظ والمصلحة لهم، فحافظوا على أملاكهم، بل واكتسبوا سلطة حقيقية، وصار لهم كلمة نافذة على بقية الولاة الأخاذيين.
فلما صعد أبسماتيك الأول على كرسي المملكة في سنة ٦٦٦ أزال سلطان منازعيه ومناصبيه واحدًا بعد واحد، مستعينًا في ذلك بالمرتزقة من الجند اليونانيين، والكاريين حتى استخلص مصر من أيدي ملتزميها، واستبد بحكمها، ثم تزوج بأميرة من بيت ملوك أتيوبيا، فاستولى بذلك على إمارة طيبة، وصار له السيادة على جنوبي مصر، وفي سنة ٦٥٥ اغتنم فرصة انشغال آشور بأنبال في عيلام، فأبى دفع الإتاوة للآشوريين، ونادى لنفسه بالاستقلال.
خراب المملكة المصرية الكبرى وذكر الوصاية
فازت العائلة الصاوية، ولكن كان في فوزها ختام انحلال المملكة وتقويضدعائمها، فإن أبسماتيك لم يعمل على إعادة افتتاح النوبة وأتيوبيا، ومن هذا العهد بقيت مصرالكبرى التي كانت تحكمها العائلات الطيبية وتمتد من سهول سنار إلى شطوط البحر المالح، منقسمة إلى قسمين مستقلين عن بعضهما؛ ففي الجنوب كانت مملكة نباتا.
ثم أعقبتهامملكة مروى، واستمرتا في بلاد النيل الأعلى على السير بمقتضى نظام الحكومة الدينية التي على رأسها وكلاء الدين وخلفاء الآلهة التي كانت لأكبر كهنة آمون، ولكونهما كانتا منعزلتين عن بقية العالم كانت تأتي إليها عناصرقليلة من الحضارة مما يجاورها.
ويحيط بها من القبائل الأفريقية، وما لبثت أن أخذت في السقوط شيئًا فشيئًا في مهواة الهمجية والانحطاط، وأما في الشمال فقد رجعت مصر إلى حدودها في عهد المنفيين؛ أي إلى الشلال الأول ودخلت في الجامعة المؤلفة من أمم آسيا واليونان، وقد كان لها في ثروتها وصنائعها واقتدارها على الابتداع والابتكار وموقعها الجغرافي ما يضمن لها في تاريخ هذا العالم الجديد مقامًا وشأنًا ربما كانا أقل ظهورًا وبهاءً مما أصابته في العالم القديم، ولكنهما ليسا أقل منه في الأهمية والخطورة.
حروب الفراعنة والفرس
وقد كان أول أمر عُني به أبسماتيك الثاني توطيد أسباب الأمن، وإعادة دواعي النظام؛ فعمل على إذلال الأمراء الكبار حتى جعلهم تابعين له مطيعين لأوامره، واجتهد بما وصلت إليه يده في تلافي الخراب الذي توالى على البلاد بسبب حروب داخلية وغارات أجنبية، استمرت مدة ثلاثة قرون، وسعى في توسيع نطاق العلاقات التجارية التي كانت بين مملكته وبين الفلسطينيين، وأوجد طريقًا للمعاملات مع قبائل الهِلاداليونانيين، فرغَّب اليونان في الوفود على مصر، وأكرم مثواهم.
وكان من بعض مقاصده في ذلك أنيتخذ له منهم جنودًا وأعوانًا يكونون أساسًا لجيش قوي متين، ثم أقطعهم الأراضيفي
نقط كثيرة على الشطوط، فبنوا فيها محالًا تجارية. واستطال حكمه منسنة ٦٦٦ إلى سنة ٦١١ ق.موكان السلام ضاربًا أطنابه في أيامه؛ حتى إنه شاهد انحطاط وانحلال دولة الآشوريين، ولم يعمد إلى اغتنام شيء منها.
أما خلفاؤه فلم يجروا على سنته في الانحياز والانعكاف، فإن نخاو الثاني الذي حكم من سنة ٦١١ إلى سنة ٥٩٥ شن الغارة على بلاد الشام في السنين التي أعقبها سقوط نينويسنة ٦٠٨، واستظهر في طريقه في مجدو على يوشياملك يهوذا،
ثم سار حتى بلغ الفرات، وبعد ذلك بثلاث سنين سنة هزمه نابوكودوتوزور المعروف ببخت نصر أو نبوخذ نصر في كركميش؛ فأضاع في يوم واحد جميع البلاد التي افتتحها، واكتفى بعد ذلك بتحريض الملوك الصغار الذين كانوا حاكمين على بلاد يهوذا وموآب وعمون وفينيقية، وإغرائهم على الإيقاع بالكلدانيين.
أما ولده أبسماتيك الثاني فقد مات في شرخ الشبيبة، ومقتبل العمر؛ فلم يكن له شيء من المآثر والأعمال سنة ٥٩٥ إلى سنة ٥٨٩ ق.م، ولكن الفرعون وفريس ابريس عاود ما شرع فيه أبسماتيك الأول، نعم، إنه لم ينجح في منع سقوط أورشليم سنة ٥٨٦ ولكنه ساعد مدينة صور على الفوز في مقاومة بختنصر، وأوجد له سلطة مؤقتة على شطوط فينيقية، وقد أرسل جنودًا لمقاتلة المستعمرة اليونانية المتوطنة في قورينغربي مصر فلم يفُز بالنجاح.
وكان ذلك سببًا في هياج المصريين عليه، ولم يكن لديه من يستعين به على قمع وهي المعروفة في كتب العرب ببلاد برقة، وغلط غلطًا فاحشًا من ترجمها بالقيروان؛ لأن مدينة أحدثها المسلمون في تونس، وأما تلك فبلاد قديمة واسعة بين مصر وطرابلس، وكانت مستعمرة مهمة لليونان.
الثورة العامة إلا المرتزقة من اليونانيين؛ فانهزم في مومنفيس وقتل بها وقام بالأمر بعده أماسيس، ولم يكن من العائلة الملوكية,وكان أماسيس هذا سنة ٥٦٩ إلى سنة ٥٢٦ آخر الفراعنة العظيمين من الوطنيين، وبعد أن صد غارات الكلدانيين التي وقعت في مبدأ حكمه أفرغ جهده في اجتناب أية حرب هجومية، واكتفى بحفظ بلاده في حالة الدفاع.
وقد اعتمد على العنصر اليوناني أكثر من أسلافه بكثير، وأقطع اليونان بالقرب من سايس صا أرضًا جعلوا فيها مستعمرة نقراطيس، وجعل حراسه منهم، وقد عقد المحالفات وأبرم المواثيق مع الليديين والكلدانيين لكي يعوق التقدم الغريب الذي كانت مملكة الفرس آخذة فيه.
وتيسر له اجتناب القتال مع كورش ملك الفرس، ومات في سنة ٥٢٦ قبل الميلاد حينما كان قمبيز زاحفًا على مصر؛ لمهاجمته، فوقعت الغارة على ولده أبسماتيك الثالث فانهزم في بيلوزة مدينة الطينة، ووقع أسيرًا في منف بعد أن حكم ستة شهورمن سنة ٥٢٦ إلى سنة ٥٢٥ قبل الميلاد)، وصارت مصر تحت إدارة مرزبان فانحطت عن مقامها الرفيع
وأصبحت بمنزلة عمالة بسيطة من عمالات الدولة الفارسية.
ثم إن مصر نالت ثروة عظيمة وحظٍّاوافرًا من افتتاح الشام في الشمال، وتوسيع مستعمراتها في الجنوب، ولكنها ما لبثت أن عاد عليها ذلك بالخسران فقد شُغل الفراعنة من غير انقطاع بكبح جماح الثائرين في آسيا، وبصد هجمات أمم البحر.
ورأوا أن المدينة التي هي في داخل البلاد على مسافة مائة مرحلة وأكثر لا يصح أن تكون مركزًا لإدارة الأعمال الحربية؛ فاعتادوا على الإقامة بمدائن الدلتا مثل منف وسايسصان الحجر وبوبسطة تل بسطة وتنيس، فرجعت إليها الحياة السياسية.
وذكر العائلة الحادية والعشرين التنيسية
وسمندس التنيسي في الدلتا، ثم فاز سمندس هذا وغلب على صاحبه وأسس عائلة زال بها سلطان طيبة بعد أن توالى دهورًا وعصورًا. على أن طيبة لم ترضَبخروج السلطة من يدها من غير مكافحة ولا مجالدة، فإنها
اعتمدت على أتيوبيا التي كانت تدين بدينها وتسير وفق نظامها؛ فشكلت إمارة واسعة الأرجاء تبتدئ من سهول سنار وتنتهي فيما وراء أسيوط، وكان رئيس هذه الإمارة الإله آمون، وبعبارة أخرى خليفة هذا الإله في الدنيا، وظله على الأرضوهو الكاهن الأكبر.
ثماضطر كبراء الكهان بالرغم عنهم للاعتراف بسيادة فراعنة الدلتا، ولكن هؤلاء لم يُقيَّض لهم البقاء على منصة الأحكام، فإنهم كانوا يعتمدون على عصابات المرتزقة من الجند وقد سمحوا لكبار دولتهم بأن يضعوا أيديهم على أمهات المدن في القطر.
وأن ينشئوا لأنفسهم إقطاعًا عسكرية تكاد تكون مستقلة، فاستولت إحدى كبار العائلات اللوبية المتوطنة في بوبسطة تل بسطة على المناصب السامية في الدولة، وآل الأمر بهم إلى أن جلس رجل منهم وهو ششنق على سرير الملك في نحو سنة ٩٤٠ ق.م.
ششنق الأول وذكر انقسام مصرإلى دول صغيرة
ولكن بعد وفاته ضربت الفوضى أطنابها في البلاد، فحصرالرؤساء اللوبيون سلطة الفرعون شيئًا فشيئًا في بعضالمدائن،
ثم نزعوها منه مرة واحدة، وتلقب بعضهم بألقاب ملوكية، فانقسمت بذلك الدلتا ومصر الوسطى إلى زهاء عشرين دولة، تكاد تتكافأ قواها.
أما ذرية أكابر كهنة آمون فقد لجأوا إلى الجنوب، واستقروا بأتيوبيا، وأنشئوا فيها دولة تختها مدينة نباتا جبل البرقل،
وكانوا أخذوا طيبة، وصاروا يطالبون ببقية البلاد قائلين بأنها آلت لهم عن أجدادهم، وفي أثناء ذلك استولى تُفنُخت أحد صغار الرؤساء اللوبيون على مدينة سايس، ثم على منف (في حدود سنة 750 ، وساد على أغلب مدائن الدلتا، فأما المدائن التي لم يكن قد أخضعها، فإنها استغاثت بملك أتيوبيا المسمى بُعنُخي فبادر لتلبية دعوتهم، وقهر
تفنخت، وأعاد وحدة مصر، وأدخلها في قبضة عائلته.
ولكن مدينة نباتا التي هي قاعدة الدولة الأتيوبية كانت بعيدة عن البحر الأبيض المتوسط بُعدًا لا يسمح لملك مقيم فيها بسهولة المحافظة على سلطانه على الوادي كله، ومن جهة أخرى كان الشغب سائدًا في سايس مدينة صا، وغيرها من مدائن الدلتا.
بحيث إنها ما كانت تطيع لسلطان مستقر في داخل أفريقية إلا إذا كانت صاغرة مقهورة والمرتزقة لفظ عربي ينبغي الاحتفاظ به,بالقوة والاقتدار؛ فلذلك انتشب القتال بين ذرية تفنحت وبين سلالة كبراء الكهنة؛ أي بين الدلتا وأتيوبيا؛ طمعًا من كل منهما في نوال السيادة العامة على بر مصر.
القتال بين الصاويين والأتيوبيين، وذكر تملك الآشوريين على مصر فاستمر الحرب بينهما سجالًا زهاء قرن كاملفيما بين سنتي ٧٥٠ و ٦٥٠ ق.م، وقد فاز ابن تفنخت المدعو بوكوريس على صاحبه الأتيوبي بضع سنوات)كان فيها حكم
العائلة الرابعة والعشرين الصاوية(، ثم خلعه سباقون الأتيوبي، ورسخت دولته مدة من الزمان، حتى إنهم جعلوه رأس عائلة رسمية هي العائلة الخامسة والعشرون الأتيوبية, وقد تداخل في أمور الشام تداخلًا مقرونًا بالبأساء والتعساء.
حتى استوجب ذلك إغارة الأجانب على مصر، وكان ذلك في الوقت الذي تمت فيه الغلبة للآشوريين على ملوك دمشق وإسرائيل، وأخذوا في تضييق الحصار على مدينة صور، وبلاد يهوذا، وأمراء فلسطين؛ فهزمها سرجون وسِنَّاحَريب، ولم تنجُ مصر من الدمار والخراب إلا بمعجزة خارقة للعادة؛ وذلك أن جيش سناحريب عندما صار على مقربة منها أباده سيف ملاك.
الرب، كما يقول العبرانيون، أو أعدمه الإله فتاح كما يزعم المصريون في سنة ٧٠١ لم يعتبر بهذا، فإنه جلب على نفسه - على أن الملك الثالث وهو طهراق سخط أشرحدون آشوراخي الدين بسبب الدسائس التي بثها في الشام بين الولاة التابعين لآشور، فهزمه هذا الملك وأقصاه إلى أتيوبيا، واستولى على منف، ووضع القطر تحت ولاية مرزبان من الآشوريين، ثم أعاد الأتيوبيون الكرَّة ثلاث مرات في مدة عشر سنينمن سنة ٦٧١ إلى سنة ٦٦٠ .
وصدهم آشور بأنيال خليفة أشرحدونآشوراخي الدين فاغتنمت العائلة الصاوية فرصة انقلاب الدهر عليهم، وزوال الإقبال
عنهم، فإن رؤساءها وهم: نخاو الأول، يتلوه أبسماتيك كانوا مذبذبين في موالاة الآشوريين تارة، ومصافاة الأتيوبيين تارة أخرى بحسب ما فيه الحظ والمصلحة لهم، فحافظوا على أملاكهم، بل واكتسبوا سلطة حقيقية، وصار لهم كلمة نافذة على بقية الولاة الأخاذيين.
فلما صعد أبسماتيك الأول على كرسي المملكة في سنة ٦٦٦ أزال سلطان منازعيه ومناصبيه واحدًا بعد واحد، مستعينًا في ذلك بالمرتزقة من الجند اليونانيين، والكاريين حتى استخلص مصر من أيدي ملتزميها، واستبد بحكمها، ثم تزوج بأميرة من بيت ملوك أتيوبيا، فاستولى بذلك على إمارة طيبة، وصار له السيادة على جنوبي مصر، وفي سنة ٦٥٥ اغتنم فرصة انشغال آشور بأنبال في عيلام، فأبى دفع الإتاوة للآشوريين، ونادى لنفسه بالاستقلال.
خراب المملكة المصرية الكبرى وذكر الوصاية
ثم أعقبتهامملكة مروى، واستمرتا في بلاد النيل الأعلى على السير بمقتضى نظام الحكومة الدينية التي على رأسها وكلاء الدين وخلفاء الآلهة التي كانت لأكبر كهنة آمون، ولكونهما كانتا منعزلتين عن بقية العالم كانت تأتي إليها عناصرقليلة من الحضارة مما يجاورها.
ويحيط بها من القبائل الأفريقية، وما لبثت أن أخذت في السقوط شيئًا فشيئًا في مهواة الهمجية والانحطاط، وأما في الشمال فقد رجعت مصر إلى حدودها في عهد المنفيين؛ أي إلى الشلال الأول ودخلت في الجامعة المؤلفة من أمم آسيا واليونان، وقد كان لها في ثروتها وصنائعها واقتدارها على الابتداع والابتكار وموقعها الجغرافي ما يضمن لها في تاريخ هذا العالم الجديد مقامًا وشأنًا ربما كانا أقل ظهورًا وبهاءً مما أصابته في العالم القديم، ولكنهما ليسا أقل منه في الأهمية والخطورة.
حروب الفراعنة والفرس
وكان من بعض مقاصده في ذلك أنيتخذ له منهم جنودًا وأعوانًا يكونون أساسًا لجيش قوي متين، ثم أقطعهم الأراضيفي
نقط كثيرة على الشطوط، فبنوا فيها محالًا تجارية. واستطال حكمه منسنة ٦٦٦ إلى سنة ٦١١ ق.موكان السلام ضاربًا أطنابه في أيامه؛ حتى إنه شاهد انحطاط وانحلال دولة الآشوريين، ولم يعمد إلى اغتنام شيء منها.
أما خلفاؤه فلم يجروا على سنته في الانحياز والانعكاف، فإن نخاو الثاني الذي حكم من سنة ٦١١ إلى سنة ٥٩٥ شن الغارة على بلاد الشام في السنين التي أعقبها سقوط نينويسنة ٦٠٨، واستظهر في طريقه في مجدو على يوشياملك يهوذا،
ثم سار حتى بلغ الفرات، وبعد ذلك بثلاث سنين سنة هزمه نابوكودوتوزور المعروف ببخت نصر أو نبوخذ نصر في كركميش؛ فأضاع في يوم واحد جميع البلاد التي افتتحها، واكتفى بعد ذلك بتحريض الملوك الصغار الذين كانوا حاكمين على بلاد يهوذا وموآب وعمون وفينيقية، وإغرائهم على الإيقاع بالكلدانيين.
أما ولده أبسماتيك الثاني فقد مات في شرخ الشبيبة، ومقتبل العمر؛ فلم يكن له شيء من المآثر والأعمال سنة ٥٩٥ إلى سنة ٥٨٩ ق.م، ولكن الفرعون وفريس ابريس عاود ما شرع فيه أبسماتيك الأول، نعم، إنه لم ينجح في منع سقوط أورشليم سنة ٥٨٦ ولكنه ساعد مدينة صور على الفوز في مقاومة بختنصر، وأوجد له سلطة مؤقتة على شطوط فينيقية، وقد أرسل جنودًا لمقاتلة المستعمرة اليونانية المتوطنة في قورينغربي مصر فلم يفُز بالنجاح.
وكان ذلك سببًا في هياج المصريين عليه، ولم يكن لديه من يستعين به على قمع وهي المعروفة في كتب العرب ببلاد برقة، وغلط غلطًا فاحشًا من ترجمها بالقيروان؛ لأن مدينة أحدثها المسلمون في تونس، وأما تلك فبلاد قديمة واسعة بين مصر وطرابلس، وكانت مستعمرة مهمة لليونان.
الثورة العامة إلا المرتزقة من اليونانيين؛ فانهزم في مومنفيس وقتل بها وقام بالأمر بعده أماسيس، ولم يكن من العائلة الملوكية,وكان أماسيس هذا سنة ٥٦٩ إلى سنة ٥٢٦ آخر الفراعنة العظيمين من الوطنيين، وبعد أن صد غارات الكلدانيين التي وقعت في مبدأ حكمه أفرغ جهده في اجتناب أية حرب هجومية، واكتفى بحفظ بلاده في حالة الدفاع.
وقد اعتمد على العنصر اليوناني أكثر من أسلافه بكثير، وأقطع اليونان بالقرب من سايس صا أرضًا جعلوا فيها مستعمرة نقراطيس، وجعل حراسه منهم، وقد عقد المحالفات وأبرم المواثيق مع الليديين والكلدانيين لكي يعوق التقدم الغريب الذي كانت مملكة الفرس آخذة فيه.
وتيسر له اجتناب القتال مع كورش ملك الفرس، ومات في سنة ٥٢٦ قبل الميلاد حينما كان قمبيز زاحفًا على مصر؛ لمهاجمته، فوقعت الغارة على ولده أبسماتيك الثالث فانهزم في بيلوزة مدينة الطينة، ووقع أسيرًا في منف بعد أن حكم ستة شهورمن سنة ٥٢٦ إلى سنة ٥٢٥ قبل الميلاد)، وصارت مصر تحت إدارة مرزبان فانحطت عن مقامها الرفيع
وأصبحت بمنزلة عمالة بسيطة من عمالات الدولة الفارسية.
التسميات :
القديم
انهم حقا عظماء
ردحذفيا خساره عليهم
ردحذف